سورة الأنبياء - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنبياء)


        


قوله تعالى: {وله} يحتمل أن يكون ابتداء كلام يحتمل أن يكون معادلاً لقوله {ولكم الويل} [الأنبياء: 18] كأنه تقسيم الأمر في نفسه أي للمختلقين هذه المقالة الويل ولله تعالى {من في السموات والأرض} واللام في {له} لام الملك، وقوله تعالى: {من في السماوات} يعم الملائكة والنبيين وغيرهم، ثم خصص من هذا العموم من أراد تشريفه من الملائكة بقوله تعالى: {ومن عنده} لأن عند هنا ليست في المسافات إنما هي تشريف في المنزلة فوصفهم تعالى بأنهم {لا يستكبرون} عن عبادة الله ولا يسأمونها ولا يكلون فيها. والحسير من الإبل المعيي ومنه قول الشاعر: [الطويل]
لهن الوجى لم يكن عوناً على النوى *** ولا كان منها طالع وحسير
وحسر واستحسر بمعنى واحد، وهذا موجود في كثير من الأفعال وإن كان الباب في استفعل أن يكون لطلب الشيء، وقوله تعالى: {لا يفترون}، روي عن كعب الأحبار أنه قال جعل الله التسبيح كالنفس وطرف العين للبشر منهم دائباً دون أن يلحقهم فيه سآمة، وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس مع أصحابه إذ قال «أتسمعون ما أسمع» قالوا: ما نسمع من شيء يا رسول الله، قال «إني لأسمع أطيط السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع راحة إلا وفيه ملك ساجد أو قائم».


هذه {أم} التي هي بمنزلة ألف الاستفهام، وهي هاهنا تقرير وتوقيف، ومذهب سيبويه أنها بمنزلة بل مع ألف الاستفهام، كأن في القول إضراباً عن الأول ووقفهم الله تعالى هل {اتخذوا آلهة} يحيون ويخترعون، أي ليست آلهتكم كذلك فهي آلهة لأن من صفة الإله القدرة على الإحياء والإماتة. وقرأت فرقة {يُنشرون} بضم الياء بمعنى يحيون غيرهم، وقرأت فرقة {يَنشرون} بمعنى يحيونهم وتدوم حياتهم يقال نشر الميت وأنشره الله تعالى، ثم بين تعالى أمر التمانع بقوله {لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدنا} وذلك بأنه كان يبغي بعضهم على بعض ويذهب بما خلق، واقتضاب القول في هذا أن الإلهين لو فرضنا فوقع بينهما الاختلاف في تحريك جرم وتسكينه فمحال أن تتم الإرادتان ومحال أن لا تتم جميعاً، وإذا تمت الواحدة كان صاحب الأخرى عاجزاً، وهذا ليس بإله، وجواز الاختلاف عليهما بمنزلة وقوعه منهما ونظر آخر وذلك أن كل جزء يخرج من العدم إلى الوجود فمحال أن يتعلق به قدرتان، فإذا كانت قدرة أحدهما موجدة بقي الآخر فضلاً لا معنى له في ذلك الجزء، ثم يتمادى النظر هكذا جزءاً جزءاً ثم نزه تعالى نفسه عما وصفه أهل الجهالة والكفر، ثم وصف نفسه تعالى بأنه {لا يسأل عما يفعل} وهذا وصف يحتمل معنيين: إما أن يريد أنه بحق ملكه وسلطانه لا يعارض ولا يسأل عن شيء يفعله إذ له أن يفعل في ملكه ما يشاء، وإما أن يريد أنه محكم الأفعال واضع كل شيء موضعه فليس في أفعاله موضع سؤال ولا اعتراض، وهؤلاء من البشر يسألون لهاتين العلتين لأنهم ليسوا مالكين ولأنهم في أفعالهم خلل كثير، ثم قررهم تعالى ثانية على اتخاذ الآلهة، وفي تكرار هذا التقرير مبالغة في نكره وبيان فساده، وفي هذا التقرير زيادة على الأول وهي قوله تعالى: {من دونه} فكأنهم قررهم هنا على قصد الكفر بالله عز وجل، ثم دعاهم إلى الحجة والإيتان بالبرهان. وقوله تعالى: {هذا ذكر من معي وذكر من قبلي} يحتمل ان يريد به هذا جميع الكتب المنزلة قديمها وحديثها، أي ليس فيها برهان على اتخاذ آلهة من دون الله، بل فيها ضد ذلك، ويحتمل أن يريد هذا القرآن والمعنى فيه ذكر الأولين والآخرين، فذكر الآخرين بالدعوة وبيان الشرع لهم وردهم على طريق النجاة، وذكر الأولين بقص أخبارهم وذكر الغيوب في أمورهم، ومعنى الكلام على هذا التأويل عرض القرآن في معرض البرهان أي {هاتوا برهانكم} فهذا برهاني أنا ظاهر في {ذكر من معي وذكر من قبلي} وقرأت فرقة {هذا ذكرُ من} {وذكرُ من} بالإضافة فيهما، وقرأت فرقة {هذا ذكرُ من} بالإضافة {وذكرٌ مِن قبلي} بتنوين ذكر الثاني وكسر الميم من قوله تعالى: {مِن قبلي} وقرأ يحيى بن سعيد وابن مصرف بالتنوين في {ذكرٌ مِن} في الموضعين وكسر الميم من قوله {مِن} في الموضعين، وضعف أبو حاتم هذه القراءة كسر الميم في الأولى ولم يرلها وجهاً، ثم حكم عليهم تعالى بأن {أكثرهم لا يعلمون الحق} لإعراضهم عنه وليس المعنى {فهم معرضون} لأنهم لا يعلمون بل المعنى {فهم معرضون} ولذلك {لا يعلمون الحق} وقرأ الحسن وابن محيصن الحقُ بالرفع على معنى هذا القول هو الحق والوقف على هذه القراءة على {لا يعلمون}.


لما أخبرهم تعالى أنهم لا يعلمون الحق لإعراضهم أتبع ذلك بإعلامهم أنه ما أرسل قط رسولاً إلا أوحى إليه أن الله تعالى فرد صمد، وهذه عقيدة لم تختلف فيها النبوات، وإنما اختلفت في الأحكام. وقرأ حمزة والكسائي {نوحي} بنون مضمومة، وقرأ الباقون {يوحى} بياء مضمومة. واختلف عن عاصم ثم عدد بعد ذلك نوعاً آخر من كفرهم وذلك أنهم مع اتخاذهم آلهة كانوا يقربون بالله تعالى هو الخالق الرازق إلا أنهم قال بعضهم اتخذ الملائكة بنات، وقال نحو هذه المقالة النصارى في عيسى ابن مريم عليه السلام، واليهود في عزيز، فجاءت هذه الآية رادة على جميعهم منبهة عليهم، ثم نزه تعالى نفسه عن مقالة الكفرة وأضرب عن مقالهم ونص ما هو الأمر في نفسه بقوله {بل عباد مكرمون} وهذه عبارة تشمل الملائكة وعزيزاً وعيسى. وقوله تعالى: {لا يسبقونه بالقول} عبارة عن حسن طاعتهم ومراعاتهم لامتثال الأمر، وقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} أي ما تقدم من أفعالهم وأعمالهم، والحوادث التي لها إليهم تنسب وما تأخر، ثم أخبر تعالى أنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله أن يشفع له، قال بعض المفسرين لأهل لا إله إلا الله، والمشفق البالغ في الخوف المحترق من الفزع على أمر ما.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8